حوارات

الهجرة غير الشرعية.. هل تحقق حلم الشباب بالثراء؟

تحقيق: ميرنا عماد عدلي- مونتاج عبد الرحمن عمر

 

حلم الحصول على المال والثروة من الأحلام الدائمة التى تراود الشباب، والتي تدفعه بشكل أعمى إلى تحقيقه بشتى الطرق.

 

وتزداد أعداد الشباب والأطفال المهاجرين غير الشرعيين من بلادنا العربية الحالمين بالجنة الأوروبية في ظل الأحداث الاقتصادية في بلدانهم.

 

وكان لطريق البحر الأبيض المتوسط الحصة الأكبر من المهاجرين عن طريق ليبيا وتونس، وصولًا إلى إيطاليا والمغرب وصولًا إلى إسبانيا من مضيق جبل طارق،  ومن تركيا وصولًا إلى اليونان وإيطاليا.

 

«بداية» تحدث مع بعض هؤلاء المهاجرين المصريين إلى إيطاليا، وكان أكثرهم تحت 18 عامًا، وكانوا مجتمعين في المعهد الثقافي المصري بروما.

 

أول هؤلاء طفل يدعى “أ. م”، من محافظة الشرقية، وعندما سألناه كيف وصل إلى إيطاليا، أجاب بأنه أتى على متن مركب هجرة غير شرعية من مدينة زوارة في ليبيا، والتي تبعد نحو 354 كم من  جزيرة لامبيدوزا الإيطالية، وهي محاولته الرابعة للهرب إلى إيطاليا.

 

وأوضح أنه في محاولته الأولى أُلقي القبض عليه على حدود مصر في السلوم، والثانية والثالثة في ليبيا وتمت إعادته إلى مصر، والرابعة جاء إلى ليبيا عن طريق الطيران، ونجح في الهرب بعد قضاء 5 ساعات في البحر، وكانت هذه الساعات هي الأسوأ، على حد تعبيره، فكان مرعوبًا من إطلاق النار عليه أو أن يغرق في البحر لأنه كان يركب قارب صيد صغيرًا عليه عدد كبير من المهاجرين. 

 

فيما قال آخر يدعى “س. م”، من زملائه، إنه جاء على مركب بعد 6 أشهر من إقامته في مدينة طبرق الليبية، بعد قضاء 5 أيام في البحر على قارب صغير بدون طعام، بسبب عدم هدوء البحر، حيث إن سفره كان في الشتاء وكان البحر عاليًا أغلب الوقت، مع عدم قدرة التاجر على تكملة العدد المطلوب على المركب، حيث إنه في هذه الفترة كان على حد تعبيره “الجو ملبش واتضرب نار علينا في كل محاولة”.

 

وبعد 6 أشهر، استطاع أن يصل إلى إيطاليا، وتم تسليمه على الساحل الإيطالي إلى الصليب الأحمر، وتمت رعايته في مخيمات اللاجئين وتعليمه في مدارس إيطالية.

 

وأوضح آخر من زملائه على نفس المركب، أنه أتى من مصر إلى ليبيا مع تجار التهريب، واستمرت إقامته في ليبيا لمدة 4 أشهر ونصف الشهر، وكان يعمل في ليبيا باليومية لتغطية باقي تكلفة الرحلة، وعندما جمع المبلغ ذهب إلى التاجر وقال له إنه جاهز في أقرب رحلة، وعندما ركب المركب بعد أسبوع استمرت رحلته في البحر لمدة 5 أيام، وكانوا بدون أكل أو شرب، وعند طلب الماء قيل له: “عندك البحر اشرب منه”، وكان معهم الكثير من النساء والأطفال، وعند الوصول إلى جزيرة لامبيدوزا تم تسليمهم إلى الصليب الأحمر أيضًا.

 

وأرسلوه هو وزملاءه إلى روما، وكان آخرون من زملائه تم إرسالهم إلى مدن أخرى مختلفة في إيطاليا، منهم من ذهب إلى ميلانو والبعض إلى روما، وآخرون إلى بريشيا ومدن أخرى في إيطاليا، وتم وضعهم في ملاجئ وتلقوا الرعاية الكاملة (وجبات يومية، وملابس جديدة، وتعليم في مدارس، ومصروف أسبوعي 10 يورو لكل فرد).

 

وأكد آخر من الشباب، يبلغ من العمر 17 عامًا و6 أشهر، أنه كان يريد طريقًا مضمونًا وسريعًا أكثر من طريق ليبيا، لأن عمره اقترب من 18 عامًا، وبعد أن يتم عامه الثامن عشر لن يحصل على مميزات اللاجئين تحت عمر 18 التي ذكرها زميله، فجاء عن طريق تركيا بحرًا مرورًا باليونان، ولكنه اكتشف أن هذا الطريق من أصعب الطرق البحرية، حيث تواجه مراكب الهجرة غير الشرعية قوات يونانية تسمى  push back هدفها عدم مرورهم إلى أوروبا، ولكنه كان مع أحد المهربين الموثوق فيهم، على حد تعبيره، وتم الهروب منهم ووصل إلى إيطاليا وتم تسليمه إلى الصليب الأحمر.

 

وذكر آخر أنه قضى 6 أيام في المركب، أول 3 أيام منها كانت له وجبات، أما آخر 3 أيام فقضاها بدون طعام، وماء الشرب كان أصفر اللون وغريب الطعم، وعندما وصل إيطاليا استلمه الصليب الأحمر وسلمه إلى المخيمات ولقي الرعاية.

 

ونوه إلى أنه هرب من ضيق الحال في مصر ووجده هنا في إيطاليا، حيث يعمل باليومية وبدون أهله وهو صغير السن، وعندما يكمل 18 عامًا سوف يتم طرده خارج المخيمات ليلقى مصيره في الشارع، ويعمل لسد احتياجاته اليومية من أكل وسكن، وهذا ما كان يحصل عليه بسهولة في بيته بين أهله.

 

أما “ع. م”، فكان من الشباب فوق 18 عامًا، فسافر من مصر إلى ألبانيا في فوج سياحي مع شركة سياحة، وهرب من الرحلة وذهب إلى إيطاليا برًا، واستغرقت رحلته عدة أشهر سيرًا على الأقدام وسط الجبال والغابات، وسمي هذا الطريق “طريق الموت”، حيث مر على مناطق غاية في الخطورة غير مدة الرحلة الطويلة والشاقة جدًا، وصعوبة توفير الطعام خلال الطريق، ولكنه فضَّل هذا الطريق على طريق ليبيا خوفًا من الغرق، لأنه علم أن 6 أفراد من قريته غرقوا في مركب.

وعندما وصل إلى إيطاليا، قدم لجوءًا إلى الحكومة الإيطالية والتقى بشخص من أصدقائه في إيطاليا، ووفر له مكان سكن، وبحث عن عمل كعامل حتى يتم تعديل أوراقه الرسمية، وخلال هذه الفترة كان قد أنفق الكثير من المال، وأرسل له أهله الكثير أيضًا، فقد تخطت مصاريف رحلته وإقامته في إيطاليا وسكنه في الفترة الأولى أكثر من 200  ألف جنيه.

 

ولفت أيضًا إلى أن كل من يأتي إلى إيطاليا فوق 18 عامًا ليس لهم أي ملاجئ لاستقبالهم ولا طريق أمامهم إلا السعي وراء العمل باليومية حتى يتم تعديل ورقهم القانوني، وهذا الورق يستغرق الكثير من الوقت، ويختلف من شخص لآخر حسب سلوكه.

 

فيما قال أحد الرجال الذين أتوا قديمًا إلى إيطاليا وحصل على الجنسية حاليًا، إنه سافر سنة 1994 عن طريق إسبانيا بفيزا سياحة قبل إنشاء الاتحاد الأوروبي، ووصل إلى إيطاليا بمساعدة بعض الزملاء، ووجد فرصة عمل بعد الكثير من الصعاب التي واجهته في أولى فترات حياته.

 

ونصح الشباب الذين يعرضون حياتهم للخطر في البحر بعدم تسليم أرواحهم إلى تجار البشر، على حد تعبيره، وأكد أن هذه المبالغ الباهظة للوصول إلى إيطاليا يمكن عمل مشروع بها في بلدنا.

 

وأوضح أن المجتهد لا يفرق معه المكان، وأن الجنسية الإيطالية لن تضيف له الكثير الذي يستدعي هذه المغامرة، ولكن ضاق الحال كثيرًا بالشباب، ما اضطرهم إلى اللجوء للمغامرة بحياتهم، ولكن يمكنهم السعي إلى الحصول على عقد عمل رسمي بدل هذه المغامرة.

 

وأكد جميعهم أنهم عرضوا حياتهم للخطر وكانت هذه الفترة صعبة عليهم جميعًا، حيث إن المراكب التي نقلتهم إلى إيطاليا غير مؤهلة إطلاقًا وعليها عدد كبير جدًا من المهاجرين، والكثير من هذه المراكب لم تصل إلى السواحل الإيطالية وغرقت في البحر المتوسط، وهناك أشخاص آخرون على معرفة شخصية بهؤلاء الشباب  تم خطفهم في ليبيا من قبل تجار الأعضاء،  وتم إطلاق نار على آخرين.

 

وعندما تحدثنا مع  بعض الأهالي، كان اعتقادنا أنهم ألقوا بأولادهم في هذه التجربة الصعبه عن عدم وعي، ولكن فوجئنا أن بعضهم واعٍ تمامًا بهذه المخاطرة، وكان رد أحدهم ويدعى “س. ح”، أنه يعلم حجم الخطر، وأنه يمكن أن يفقد ابنه، ولكنه يرى الكثير من الشباب يصل إلى إيطاليا بسلام، وأنه يرى أن ابنه البالغ من العمر 16 عامًا لم يعد صغيرًا، ولكن على حد قوله “إحنا تحت خط الفقر، هنعمل إيه؟”،

وعندما سألته عن المبلغ المدفوعة الكبيرة جدًا، كان رده: “دي تحويشة العمر”.

 

وقال آخر إنه يعلم أن بعض المراكب تغرق في البحر، ولكن هذا يعتمد على التاجر، وإنه يعرف رجلًا “مضمونًا” جربه أهل القرية ووصلوا بسلام، وأنه يسعى لحياة أفضل لابنه ولا يريده أن يعيش في الفقر.

 

وعند سؤاله عن كيف وفر المبلغ المدفوع أجاب: “دي جمعيات وسلف ويسدها ابني من عمله عند وصوله”.

وأكد أب لولدين من المهاجرين أنه يعتقد أن كل هذه شائعات وهي ليست تجربة صعبة، وبعض من أولاد قريته وصلوا و”عايشين أحسن عيشة”.

وأوضح آخر أن ابنه هو الذي أصر على هذه التجربة عندما رأى بعض زملائه وجيرانه سافروا بالفعل ووصلوا بالسلامة، ولكنه في البداية رفض خوفًا عليه، ولكن ابنه  ترك المنزل حتى يضغط على والده، ثم وافق والده واقتنع عندما رأى زملاء ابنه، ووصف عن حال هؤلاء الأولاد بأنهم “لابسين أحسن لبس وبياكلوا أحسن أكل، وبيتعلموا وبيتصوروا في أماكن منحلمش بيها”.

 

وأكدت أم ولد هاجر عبر البحر وتوفاه الله غرقًا، أنها لا تنصح أي أم بأن تغامر بحياة أولادها، وأنها كانت تسعى لتحقيق حلم ابنها في السفر لكنها أرسلته للموت بيديها.

 

وذكرت شابة زوجة لأحد المهاجرين وأخت لشاب مهاجر أيضًا، أن زوجها وأخاها اختارا هذا الطريق هربًا من الفقر وقلة الحيلة، فهما رأيا من سبقهما عندما

رجع إجازة إلى مصر وهو قادر على الصرف وهما غير قادرين، وحياته مختلفة هو وأهله بعد أن عدل ورقه و حصل على الإقامة، ولكنها أكدت أن تفاصيل الرحلة كانت مرعبة، وأنهم فقدوا التواصل مع أخيها لشهور حتى استطاع التواصل معهم بعد وصوله، وأنه تمت مساومتهم من التاجر لزيادة المبلغ وإلا سوف يرمي أخاها في البحر.

 

من جانب آخر، تواصلنا مع شخص من الأشخاص المهربين لهؤلاء الأطفال والشباب من ليبيا، وآخر من تونس، واتضح أنهم يتقاضون على كل فرد من 100  إلى 150 ألف جنيه مصري، وهو المسئول عن وصولهم والدفع بعد ركوب المركب، وأنه يطمئن الأهالي بالكذب ويقول لهم: “مراكبنا مضمونة وكله بيوصل بالسلامة”، ويعطيهم معلومات مختلفة تمامًا ومدة سفر أقل من الحقيقة وضمانات غير موجودة على أرض الواقع.

ويبلغ عدد أفراد الجالية المصرية في إيطاليا 560  ألف مصري، وهم من يحملون أوراقًا رسمية، وهناك أضعافهم يعيشون بدون أوراق وبدون سكن يقيمون في الشوارع، وتعتبر الجالية المصرية من أكبر الجاليات في إيطاليا.

وأكد السفير بسام راضي، سفير مصر في إيطاليا، أن مواجهة الهجرة غير الشرعية من مصر إلى إيطاليا على رأس أولوياته.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى