حوارات

خبراء يوضحون أهم أسباب ظاهرة الطلاق وعلاجها

 

 

 تحقيق: ياسمين السيد – بيتر حبيب سليمان

محامٍ: يجب اختيار شريك الحياة بطريقة إسلامية

يشهد المجتمع المصري العديد من المتغيرات والمشكلات التي أوجدتها الظروف الاجتماعية والاقتصادية والتطور التكنولوجي الهائل، وأبرزها انهيار الأسرة التي تشكل البنية الأساسية في وحدة المجتمع وتماسكه، وما ينتج عن ذلك من تهديد تماسك المجتمع، وإهدار موارد الدولة، وضياع مؤكد لأي جهود تستهدف تحقيق التنمية المستدامة، ورفع مستوى جودة حياة المواطن المصري.

وفي العقدين الأخيرين، شهدت مصر ارتفاعًا شديدًا في معدل الطلاق، طبقًا للتقرير الذي أصدره الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء، حيث بلغت حالات الطلاق لسنة 2021 نحو 254,277 حالة، بنسبة 14.7% من إجمالي حالات الزواج.

ونستعرض أسباب الطلاق من وجهة نظر الدكتور نصيف فهمي منقريوس، الأستاذ بكلية الخدمة الاجتماعية بجامعة حلوان.

الضغوط والأعباء الاقتصادية

في البداية، أكد “منقريوس” أن الضغوط والأعباء الاقتصادية من أكبر العوامل التي تؤثر على العلاقات الاجتماعية بين الزوجين، فقلة الدخل وزيادة الأعباء المالية وعدم الالتزام بالإنفاق، تتسبب في الخلافات الأسرية التي تنتهي بالطلاق، وأيضًا الارتفاع الهائل في الأسعار الذي تشهده الأسواق المصرية هذه الأيام، ما زاد من الضغوط على عائل الأسرة الذي لا يمكنه الوفاء بالتزاماته تجاه أسرته.

وأوضح أن هذا العامل الرئيسي يعد من أهم أسباب الطلاق، لأن ارتفاع الأسعار أدى إلى زيادة الضغوط المالية، وارتفاع نسب البطالة، والتي تؤثر بدورها على الوفاء باحتياجات الأسرة الضرورية، بل نجد أن بعض الأزواج لا ينفقون على أسرهم، ما ينتج عنه المشكلات الزوجية التي تؤدي إلى الطلاق.

وسائل التواصل الاجتماعي

وقال “منقريوس” إن انتشار وسائل التواصل الاجتماعي عامل لا يمكن إغفاله في تشكيل العلاقات الاجتماعية والزوجية، فهي الوسيلة الأكثر تأثيرًا بشكل قاطع حاليًا على حياة الأفراد.

ونوه إلى أن بعض الدراسات أشارت إلى أن هذه الوسائل كانت السبب الرئيسي في حوادث الخيانة الزوجية، وإحداث حالة من الخرس الزوجي في المنزل بسبب انشغال كل من الزوج والزوجة بمتابعة هذه المواقع لأوقات طويلة والاستغناء بها عن الحوار مع الطرف الآخر.

العنف الأسري

وأضاف أن العنف الأسري يعد أحد أهم أسباب الطلاق، وهو لا يرتبط بطبقة اجتماعية بعينها، كما يحدث لمختلف المسببات.

وكشف أن هذه الظاهرة ترجع إلى التنشئة المجتمعية التي تنظر إلى الرجل على أنه أفضل من المرأة وعليها واجب الطاعة تجاهه دون أي اعتراض، خاصة في القرى، حيث تتراجع مكانة المرأة بسبب العادات والتقاليد، كما لا يمكن أن نغفل أن الضغوط المادية تؤدي أيضًا إلى المزيد من العنف الأسري.

الفروق الثقافية والاجتماعية

ولفت إلى أن من أسباب الطلاق أيضًا الفروق الثقافية والاجتماعية، فالاختلافات بين الطرفين مثل تلك التي تتعلق بالتنشئة والتفكير والتعليم، ينتج عنها عدم القدرة على التفاهم بين الزوجين، وتنتهي بالطلاق والتفكك الأسري.

تدخل الأهالي في حياة أبنائهم

ونوه “منقريوس” إلى أن تدخل الأهالي في حياة أبنائهم يعد أيضًا من أهم أسباب الطلاق، لأن هذا يعد انتهاكًا حقيقيًا للعلاقات الزوجية.

تراجع القدرة على تحمل المسئولية لدى الأجيال الحديثة

وأشار إلى أن الأجيال الجديدة ليس لديها الاتزان أو القدرة على تحمل المسئولية بسبب تلبية أسرهم لجميع احتياجاتهم دون مناقشتهم.

الآثار المترتبة على الطلاق

أكد “منقريوس” أن أي ظاهرة لا بد لها من آثار سلبية أو إيجابية، كذلك الحال بالنسبة لظاهرة الطلاق، فمن المعلوم أن الطلاق مشكلة اجتماعية، لها آثار ضارة على المجتمع، حيث تؤدي إلى تزايد معدلات الجريمة والتهرب من التعليم، وأيضًا ارتفاع معدلات السلبية والاكتئاب، وخفض معدلات العمل والإنتاج، واختلال النسق القيمي للمجتمع.

الآثار النفسية للطلاق

ذكر “منقريوس” أن الطلاق يؤثر على المطلقة، ويؤدي في كثير من الأحيان إلى ضغوط نفسية عليها، مثل: الشعور بالندم، ونقص الإحساس بقيمة الذات، ومرارة الفشل في الحياة الزوجية، وفقدانها لهويتها لتكون زوجة، وعدم احترامها في كثير من المجتمعات، بالإضافة إلى الشعور بعدم إتاحة الفرصة لها للزواج مرة أخرى.

أما الآثار النفسية التي تصيب المطلق، فبيَّن أنها تتمثّل في إصابته بالسلبية تجاه النساء بشكل عام، فيعتريه الخوف من الرفض من قِبل النساء الأخريات بعد الطلاق، فيُصاب باهتزاز الثقة في نفسه في إنجاح الحياة الزوجية مرة أخرى، وعدم الثقة بالمرأة لتكون زوجة، وينظر إلى النساء على أنهن من صنف واحد، وكثيرًا ما يلقي باللوم على النساء، بأنهن السبب في عدم نجاح الحياة الزوجية.

الآثار الاجتماعية الناتجة عن الطلاق

عدَّد “منقريوس” الآثار الاجتماعية للطلاق على المرأة، مثل النظرة السلبية للمطلقات من أفراد المجتمع، وعدم الإقدام على الزواج من المطلقة، حتى ولو كانت صغيرة في السن، ويُنظر لها كأنها ارتكبت جريمة،  فضلًا عن الشكوك لدى بعض أفراد المجتمع بأن المطلقة تكون عرضة للانحرافات السلوكية أكثر من غيرها، ما يجعلها أكثر تعرضًا للمراقبة الشديدة المستفزة المؤذية في بعض الأحيان.

ولفت إلى أن المجتمع يُشْعِر المطلقة بأنها صاحبة سابقة، وينظر إليها بعدم احترام وتقدير، وكأنها هي السبب الأساسي في الطلاق.

ونوه إلى أنه يتم أحيانًا النفور من المطلقة، وهذا نتيجة توجه اجتماعي محسوس، فالمتزوجات المستمرات في الزواج سواء كنّ صديقات، أو قريبات، أو زميلات، وغيرهن، ينفرن من المطلقة وذلك لشعورهن بأنها مسببة لمشكلات يمكن أن تنتقل إليهن، وهذا اعتقاد خاطئ ولكنه سائد بين أوساط النساء، والمطلقة تكون معرّضة للّوم والتجريح من أفراد المجتمع على طلاقها.

أما الآثار التي تقع على الرجل، فذكر أنها أقل نوعًا ما من التي تقع على المرأة، فبعض الأسر ينظرون إلى المطلق على أنه إنسان لديه مشاكل، فيتخوفون من زواجه، فكلمة مطلق تضع عليه وصمة، ما يؤدي إلى التعامل معه بحذر.

وأشار إلى أن كلا المطلقين يواجهان مشاكل كثيرة مع الأطفال بعد الطلاق، ويعانيان من اضطرابات نفسية، واجتماعية، وقد يتغير تعاملهما مع الآخرين.

الآثار المترتبة على الطلاق بالنسبة للأطفال

وبالنسبة للآثار المترتبة على الطلاق بالنسبة للأطفال، أكد ” منقريوس” أن الأبناء يصابون بتشتت بين الأب والأم، وسوء التكيف النفسي والاجتماعي، والفشل دراسيًا واجتماعيًا في كثير من الأحيان، كما يفتقد بعض الأبناء لأساليب التربية والتنشئة السليمة داخل هذه الأسرة المفككة، ما يجعلهم عرضة لارتكاب الجرائم.

وتابع: “كما أنهم يصابون بضعف البناء النفسي والذاتي، ويتصفون بالحدة والعنف، ويعيشون فراغًا عاطفيًا ولا يشعرون بالأمن مع الآخرين، كما يؤدي عامل غياب الأب إلى فقدان النموذج والقدرة في الاحتذاء به”.

وقال إن الأبناء لآباء مطلقين يتّسمون أحيانًا باضطرابات في النمو الانفعالي والعقلي، كما أنهم يتعرضون إلى حالة من الكبت والضغوط التي تؤثِّر على علاقاتهم الاجتماعية، جراء تفكك أسرتهم، ويُصاب بعض الأطفال بالصراع الداخلي نتيجة انهيار الأسرة، وينتاب أبناء المطلقين شعور بالنقص، والبؤس، والإحباط، والحقد نحو الآخرين، كما تظهر على الأبناء علامات اللا مبالاة، والفتور، وفقدان القدرة على الاستيعاب، وإعلان التمرد والعصيان، وهذا كله تسببه الصدمة النفسية لانفصال الوالدين.

وأضاف أن الأبناء يشعرون دائمًا بالخوف، وفقدان الثقة بالطرف الذي يعيشون معه، ويستمر الحال هكذا حتى بعد زواجهم مستقبلًا، فيؤثِّر على حياتهم الزوجية.

ضرورة تبصير الطرفين بالحقوق والواجبات المترتبة على الحياة الزوجية

من جانبه، قال الشيخ عبد الله سعد إن الشرع الإسلامي الحنيف دعا كلا الزوجين إلى استشعار المسئولية نحو أولادهما، فقال صلى الله عليه وسلم: “كلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته”، إلى قوله صلوات الله وسلامه عليه: “والرجل راعٍ في أهله ومسؤول عن رعيته، والمرأة راعية في بيت زوجها ومسؤولة عن رعيتها…”، الحديث.

وأضاف “سعد” أنه يجب أن يصبر كل منهما على الآخر، وأن يغض الطرف عما لا يرتضيه منه، فشريك الحياة ليس كله سيئًا، فإذا كره منه خلقًا أحب منه آخر، ويحاول كل من الشريكين أن يطوّر الجوانب الحسنة في شريكه، من خلال الثناء والمدح، وذكر هذه الجوانب الحسنة، والإيمان بأن النقص من صفات البشر، وبدون تحمّل الأخطاء والسعي في إصلاحها لا تدوم المودة.

وأوضح أنه يجب كذلك تبصير الطرفين بالحقوق والواجبات المترتبة على الحياة الزوجية بينهما، وتثقيفهما بالثقافة الضرورية من خلال دورات من قِبل مكاتب الإرشاد الأسري، وتزويدهما بالنشرات والكتيِّبات التي تحث على تقدير الحياة الزوجية واستقرارها.

وأكد أنه على الأسرة مراعاة السن المطلوبة للزواج، فلا تقل عن عشرين سنة، بجانب تقارب سن الزوجة مع الزوج.

الرجوع إلى السنة هو الحل

فيما يرى حسام أحمد، المحامي، أنه يجب أن يتم اختيار شريك الحياة بطريقة إسلامية، حيث قال الله تعالى (وما أتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا)، ورواه الحاكم من حديث ابن عباس “رضي الله تعالى” عنهما عن النبي (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) أنه قال: “يا أيها الناس؛ إني قد تركت فيكم ما إن اعتصمتم به فلن تضلوا أبدًا، كتاب الله، وسنة نبيه”،.

وأكد “أحمد” أننا يجب أن نرجع لسنة رسول اللّه ونختار المقاييس العلمية والعملية، وهي التزام المرأة بإسلامها، ومن هنا يأتي الاختيار الصحيح.

وأوضح بعض النقاط التي يمكن أن يتبعها الشباب قبل الزواج، ومنها أن لا يتجملوا في فترة الخطوبة وأن يظهر كل شاب وفتاة بشخصيتهم الحقيقية بدون كذب ونفاق أو تجميل، وتجنب الخداع في بداية العلاقة، والالتزام بالصدق مع نفسه ومع الطرف الآخر من الناحية المالية والنفسية والاجتماعية وكل شيء.

 مجهودات الدولة لعلاج هذه الظاهرة

تبذل الدولة عدة جهود لعلاج هذه الظاهرة والحد من تزايد معدلات الطلاق، ومنها:

1- المشروع القومي لتنمية الأسرة المصرية

أنشأت القيادة السياسية هذا المشروع بهدف الارتقاء بجودة حياة الأسرة المصرية والحفاظ عليها من التفكك، ومساعدتها على تحقيق التماسك فيما بينها، وذلك بالاهتمام بالأبعاد الأسرية والمجتمعية والسكانية والثقافية والتمكين الاقتصادي.

2 – مشروع “مودة”

أنشأت هذا المشروع وزارة التضامن الاجتماعي بهدف تأهيل الأشخاص المقبلين على الزواج من الجنسين، لبدء حياة زوجية ناجحة.

3 – صندوق تأمين الأسرة

أنشئ تحت إشراف بنك ناصر الاجتماعي بهدف مساعدة الأسرة التي هجرها عائلها بلا دخل.

4 – مشروع “مستورة”

يستهدف المشروع مساعدة المرأة القادرة على العمل بمنحها قروضًا من أجل البدء في مشاريع تحقق لها دخلًا شهريًا.

5 – تنظم وزارة العدل دورات تدريبية للمأذونين بهدف رفع الوعي لديهم بالآثار السلبية للطلاق، والحد من النزاعات القضائية والصراعات الأسرية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى